حول سيف النبي صلى الله عليه وسلم " البتار " وآثاره في المتاحفالسؤال:
لقد شاهدت صوراً لسيف يسمى " البتَّار " ، ويقال إنه كان للرسول صلى الله
عليه وسلم ، وإنه منقوش عليه أسماء الأنبياء ، وصورة للنبي داود عليه
السلام وهو يقطع رأس جالوت ، وقد شاهدت هذه الصورة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وسؤالي هو :إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم صور الأشخاص والحيوانات ، فكيف يمتلك سيفاً عليه صور ؟
.الجواب: الحمد لله
أولاً :
ورد في كتب السيرة أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدة أسياف ، وقد ذكر
بعض العلماء أنها تسعة أسياف ، وليس يثبت من ذلك في السنة الصحيحة إلا
واحد فقط ! .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
كان له – صلى الله عليه وسلم - تسعة أسياف :
" مأثور " ، وهو أول سيف ملكه ، ورثه من أبيه ، و " العضب " و " ذو الفقار
" - بكسر الفاء وبفتح الفاء - وكان لا يكاد يفارقه ، وكانت قائمته ،
وقبيعته ، وحلقته ، وذؤابته ، وبكراته ، ونعله من فضة ، و " القلعي " ، و
" البتار " ، و " الحتف " ، و " الرسوب " ، و " المخذم " ، و " القضيب " ،
وكان نعل سيفه فضة ، وما بين حلق فضة .
وكان سيفه " ذو الفقار " تنفله يوم بدر ، وهو الذي أُري فيها الرؤيا .
ودخل يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة [ ضعفه الألباني في مختصر الشمائل (87) ]
" زاد المعاد " ( 1 / 130 ) . وانظر : التراتيب الإدارية ، للكتاني (1/343) .
ومما ثبت من ذلك في السنَّة الصحيحة " ذو الفقار " :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الَّذِي رَأَى
فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ .
رواه الترمذي ( 1561 ) وابن ماجه ( 2808 ) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وقوله : ( تنفل سيفه ) أي : أخذه زيادة عن السهم .
ورواه أحمد ( 2441 ) – وحسنه الأرناؤط - بأتم من هذا ، وفيه بيان الرؤيا :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَهُوَ
الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : ( رَأَيْتُ فِي
سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا فَأَوَّلْتُهُ فَلا يَكُونُ فِيكُمْ ،
وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ ،
وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ ،
وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَبَقَرٌ
وَاللَّهِ خَيْرٌ ) فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وسمِّي سيف النبي صلى الله عليه وسلم " ذا الفقار " لأنه كانت فيه حفر صغار حسان ، ويقال للحفرة فقرة ، وهو أشهر سيوفه .
وأما سيفه " البتَّار " فقد جاء ذِكره عند ابن سعد في " الطبقات " ( 1 /
486 ) لكنه مرسل – وهو من أقسام الضعيف - ، وفي سنده الواقدي ، وأحاديث
غير صحيحة .
قال الحافظ العراقي – رحمه الله - :
ولابن سعد في " الطبقات " من رواية مروان بن أبي سعيد ابن المعلى مرسلاً
قال : أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف
: سيف " قلعي " ، وسيف يدعى " بتَّارا " ، وسيف يدعى " الحتف " ، وكان
عنده بعد ذلك " المخذم " ، و " رسوب " ، أصابهما من الفلْس .
وفي سنده الواقدي .
" تخريج أحاديث الإحياء " ( 2471 ) .
و" القلعي " نسبة إلى " مرج القلعة " موضع بالبادية .
وإذا كان لم يثبت في السنَّة الصحيحة وجود سيف بهذا الاسم للنبي صلى الله
عليه وسلم : فكيف نصدق وجوده على تلك الصورة التي ينشرها من يزعم أنها
صورة سيف النبي صلى الله عليه وسلم ؟! .
ثانياً :
قد ورد في السنة الصحيحة وصف سيف النبي صلى الله عليه " ذو الفقار " ،
وليس فيه أنه يحوي صوراً لأحدٍ ، وكيف يمكن أن يقتني النبي صلى الله عليه
وسلم سيفاً كهذا ، وهو الذي نهى عن الصور وأمر بطمسها ؟! .
وعندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يدخل الكعبة إلا بعد أن أمر بطمس ما كان فيها من صور .
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَنَ الْفَتْحِ وَهُوَ
بِالْبَطْحَاءِ أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ
فِيهَا ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى مُحِيَتْ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا .
رواه أبو داود ( 4156 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد ثبت في السنَّة أن مقبض سيفه " ذو الفقار " كان من فضة .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ .
رواه النسائي ( 5373 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
والسيف يباح تحليته بيسير الفضة فإن سيف النبي كان فيه فضة .
" مجموع الفتاوى " ( 25 / 64 ) .
ثالثاً :
يردُّ على ما ورد في الموقع – من وجه آخر - من زعمهم أن هذا سيف النبي صلى
الله عليه وسلم أنه لا يثبت بقاء شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم
على وجه اليقين ، فقد زُعم وجود نعل وشعر وثياب وأحجار تخص النبي صلى الله
عليه وسلم في مواطن كثيرة في العالم ، وكل دولة تزعم أنها المحقة وغيرها
ليس محقّاً ، وثبت في القديم والحديث زيف ادعاءات كثيرين بنسبة ما يملكونه
للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لما في ذلك من التكسب من أموال الناس .
وقد ذكر ابن طولون في كتابه " مفاكهة الخلان في حوادث الزمان " في حوادث
سنة تسع عشرة وتسعمائة أن بعضهم زعم أنه يملك قدحاً وبعض عكاز للنبي صلى
الله عليه وسلم ، وأنه " تبيَّن أنهما ليسا من الأثر النبوي ، وإنما هما
من أثر الليث بن سعد " !!
وقد حافظ بعض الخلفاء والكبراء على بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن ذهب كثير منها في الفتن التي تعاقبت على دولة الإسلام .
ومن ذلك : إحراق التتار عند غزوهم بغداد ( سنة 656 هـ ) بردة النبي صلى
الله عليه وسلم ، وفي فتنة تيمورلنك في دمسق ( سنة 803 هـ ) ذهب نعلان
ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولذا شكك الأئمة بثبوت شيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى الآن ، بل إن منهم من جزم بعدم ثبوته .
1. قال ابن كثير – رحمه الله – وهو يتحدث عن أثواب النبي صلى الله عليه وسلم - :
قلت : وهذه الأثواب الثلاثة لا يدرى ما كان من أمرها بعد هذا .
" البداية والنهاية " ( 6 / 10 ) ، و" السيرة النبوية " ( 4 / 713 ) .
2. وقال السيوطي – رحمه الله - :
وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في
المواكب جلوساً وركوباً ، وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم ، وأظن
أنها فقدت في فتنة التتار ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
" تاريخ الخلفاء " ( ص 14 ) .
3. ويقول العلامة أحمد تيمور باشا - بعد أن سرد الآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقسطنطينية في ( إسطنبول ) ـ:
لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة ؛ غير أنّا لم نرَ أحداً من الثقات
ذكرها بإثبات أو نفي ، فالله سبحانه أعلم بها ، وبعضها لا يسعنا أن نكتم
ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها في الشكوك .
" الآثار النبوية " ( ص 78 ) .
وقال في ( ص 82 ) - بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم - :
فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد بذلك : فإنما وصل إليهم مما
قُسم بين الأصحاب رضي الله عنهم ، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من
زائفها . انتهى
4. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
هذا ولا بد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه
وسلم ولا ننكره ، خلافاً لما يوهمه صنيع خصومنا ، ولكن لهذا التبرك شروطاً
، منها :
الإيمان الشرعي المقبول عند الله ، فمن لم يكن مسلماً صادق الإسلام : فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا .
كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلاً على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله .
ونحن نعلم أن آثاره من ثياب ، أو شعر ، أو فضلات : قد فقدت ، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين .
" التوسل " ( 1 / 145 ) .
5. وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – في مقال " تعقيب على ملاحظات الشيخ محمد المجذوب بن مصطفى - :
وأما ما انفصل من جسده صلى الله عليه وسلم أو لامسه : فهذا يُتَبَرَّك إذا
وُجد وتحقق في حال حياته وبعد موته إذا بقي ، لكن الأغلب أن لا يبقى بعد
موته ، وما يدَّعيه الآن بعض الخرافيين من وجود شيء من شعره أو غير ذلك :
فهي دعوى باطلة لا دليل عليها ... .
لا وجود لهذه الآثار الآن ؛ لتطاول الزمن الذي تبلى معه هذه الآثار وتزول ؛ ولعدم الدليل على ما يُدَّعى بقاؤه منها بالفعل .
" البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " ( ص 154 ) .
6. وتحت عنوان " هل يوجد شيء من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر
الحاضر " بيَّن الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع في " التبرك ، أنواعه
وأحكامه " - ( ص 256 - 260 ) - أنه يشك في ثبوت نسبة ما يوجد الآن من هذه
الآثار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن فقدان الكثير من آثار
الرسول صلى الله عليه وسلم على مدى القرون والأيام بسبب الضياع ، أو
الحروب والفتن . انتهى
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب